بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد:
يقول الله سبحانه وتعالى "يا أيها الذين أمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (1) يا أيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي..." الآيات سورة الحجرات
ومعنى هذا أننا لا نقدم قول أحد على قول الله ورسوله كائنا من كان , ونفهم ذلك بفهم سلفنا- رضي الله عنهم و رحمهم- وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام قول مجاهد بن جبر المكي في قوله تعالى "واجعلنا للمتقين إماما " قال يعني: أئمة نقتدي بمن قبلنا و يقتدي بنا من بعدنا وهذا لا يدل على أنهم معصومون من الخطأ , ولكن خطأهم - رحمهم الله – لا يكون عن قصد ولكن إرادتهم الخير, و لهم في ذلك عذر وقد ذكر تلك الأعذار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه (رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) وكذلك شيخ الإسلام محمد بن صالح العثيمين في رسالته (أسباب اختلاف العلماء ) ينبغي لطالب العلم فضلاٌ عن العلماء أن يطلعوا على تلك الرسالتين العظيمتين حتى يعرف أسباب الخلاف, ولهذا العلماء أنفسهم علموا أنهم يخطئون , ولهذا اتفق الأئمة الأربعة على أنه إذا خالف قولهم الوحي قالوا جميعا : اطرحوا قولنا , وهذا تبرؤ منهم _رحمهم الله _عن الخطأ . وإذا علم هذا فالعلماء - رحمهم الله - اختلفوا في قصة سالم مولى أبي حذيفة ,وقصته أخرجها الإمام مسلم أن سهلة بنت سهيل رضي الله عنها ، أتت تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول لله :إن سالماٌ مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا , وقد بلغ ما يبلغ الرجال , فقال "ارضعيه تحرمي عليه" وسؤالها هذا كان عند نزول إبطال التبني " ادعوهم لآبائهم...." وقد كان الابن المتبنى ينسب إلى من يتبناه ، و كانوا يورثونه ، ولهذا كان زيد يدعى زيد بن محمد حتى نزلت هذه الآية, فأتت رضي الله عنها تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم , وسؤالها هذا بعد نزول هذه الآية ولمَا تقرر عندهم من أن إرضاع الكبير لا يؤثر ، فذكرت قصتها للرسول صلى الله عليه وسلم وغيرة زوجها لأنها تعرف ذلك في وجهه فأرشدها الرسول إلى أن ترضعه تحرم عليه, فاختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال :
الأول : أنه مؤثر
والثاني : أنه غير مؤثر
والثالث : التوسط بين الأقوال أنه مؤثر للحاجة
وأما دعوى النسخ فتحتاج إلى دليل ومعرفة التأريخ ، وأما تأثيره للحاجة فمرتبط بمن حاله حال سالم ، كان متبنىً ويعتبر ابنا لهم ، ليس جديدا وغريبا عنهم فهو تربى بينهم وقاموا عليه فهذه حاله ، فمن كان مثل هذه الحال فرضاعه محرم .
و ليعلم أن من أطلق الحاجة تكون عامة ، فليس بجيد ولا بد من التقييد ، ثم ليعلم أن الأحكام لا تكون مختصة بأحد ، ولكن تخرج على من كانت حالته مطابقة.
وبين يدي أوراق باسم (بيان في مسألة رضاع الكبير) ممهور عليها " قالها الفقير إلى الله المنان عبد المحسن بن ناصر العبيكان "وذكر أن هذه المسألة : يعني حالة سالم " تنطبق على من أخذه أهل البيت من ملجأ ولا يعرف له أب ولا أم فأرادوا تربيته وأن يكون عندهم مثل الولد " ، وهذا القول فيه نظر وتفصيل . إما أن يؤخذ هذا الولد من الملجأ ويكون قبل الحولين فترضعه من أخذته فيصبح ابنا لها من الرضاع فهذا سائغ ومعروف , أوقد تكون التي أخذته عقيم فترضعه و يأتي اللبن وقد أفتى بذلك شيخنا الشيخ أحمد النجمي رحمه الله رحمة واسعة .
وأما أن يكون قد جاوز الحولين فالدولة حفظها الله قد أقامت لهم دور وأقامت من يقوم على رعايتهم وتربيتهم يسر الله لها كل خير وأعانها ووفقها ، فعلى من أراد أن يأخذ من تلك الملاجئ أن يتجنب من جاوز الحولين .
وأما قوله غفر الله لنا وله "وأن يكون شاب ليس له أقارب سوى أخيه ، ويضطر للسكنى معه ومع أسرته و يحصل الحرج بكثرة دخوله وخروجه وما شابه ذلك " فهذا القول مخالف لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الحمو، فقال الحمو: الموت ، والحمو هم أقارب الزوج من إخوانه وغيرهم , فما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : الحمو ترضعه المرأة التي يدخل عليها فتحرم عليه .
ثم قال عفا الله عنا وعنه : وقال الشيخ أحمد بن يحي النجمي في التأسيس شرح عمدة الأحكام 4\233 " خامسا : قد ورد في رضاع الكبير حديث سهلة بنت سهيل وقد تقدم الكلام عليه وأنه في اعتباره ثلاثة مذاهب مذهب يرى أنه محرم مطلقا وآخر يعتبره غير محرم مطلقا وثالث يعتبره محرم إذا كان لحاجة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحق فيما أرى "أ.هــــــ
هذا كلام شيخنا الشيخ أحمد النجمي رحمه الله رحمة واسعة في التأسيس – في نسختي : 4\304 – ، وإن كان اختار قول شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا كان للحاجة , فإنما هذا القول منه ترجيحا من بين الأقوال التي ذكرها كما ذكر قبل هذا في 4\294 وذهب ابن تيمية وأناس معه إلى إن رضاعة الكبير لا تحرم إلا عند الحاجة فإذا كان هناك حاجة أثرت التحريم و إلا فلا , فهذا قول وسط بين القولين. أ هـ
فهذا القول منه لا يعتبر هو الفتوى الذي يفتي به وإنما هذا تحقيق هذه المسألة وأن هذا القول هو الوسط وأنه الحق فيما يرى من بين الأقوال التي ذكرها رحمه الله تعالى رحمة واسعة .
فقد سئل شيخنا النجمي رحمه الله عن تلك الفتوى التي تقول إذا اجتمع مع امرأة في مكتب واحد على انفراد وهذا في العمل قال المجيب ترضعه فتحرم عليه ، فما رأيكم ؟ قال رحمه الله: هذه فتوى مضحكة مبكية .. فهذا القول هو الحق فيما يرى من بين هذه الأقوال لكن المعتمد عنده غير هذا, وهذا معروف عند العلماء أن التحقيق العلمي لمسألة من المسائل ثم الترجيح بين الأقوال لا يلزم أن تكون الفتوى عليه ، لأن الفتوى لها ملابساتها وأشياء تخصها والعالم يرى شيئا غير ما رجحه وحققه فرحم الله شيخنا رحمة واسعة .
وأما قوله عفا الله عنا وعنه: وبهذا النقل من الأدلة من كلام الأئمة يتبين كثرة الجهل في هذا الزمن حتى عند من يدعي العلم حيث يزعمون جهلا أن ما قاله هؤلاء الأئمة غير صحيح لأنهم لم يفهموا النصوص ولم يطلعوا على كتب أهل العلم .... إلى آخر كلامه.
أقول هذا تجنٍ على أهل العلم المعتبرين الذين أفتوا بخلافه لما يرون في هذه الفتوى من الفساد وسد هذا الباب ,لأنه لقائل يقول هذا السائق استقدمته لابد من دخوله البيت بكثرة والبيت محتاج إليه, فترضعه زوجتي تحرم عليه ويصبح ابنا لنا وهكذا .
هل قال بهذا أحد قبلك؟؟؟
اعلم أن الفتوى غير التحقيق العلمي ، وأما أهل العلم فيعرفون للعلماء قدرهم ، وللفقهاء مكانتهم ، ولم يغمطوهم حقهم ، ولم يتنقصوا المخالف ، لكنهم يرون الفتوى غير هذا .
ثم ليعلم أن الفتوى لها جهة اختصاص فهي الجهة المختصة بذلك فلتترك الفتوى لها في مثل هذه المواضيع إذا سئلت عنها ,أما أن تخرج عن غيرها هكذا بدون سؤال فوراءها ما وراءها ؟
نسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
كتبه
ابراهيم بن أحمد ظفراني
19 / 6 / 1431هـ