بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ,ومن يضلل فلا هادي له ,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ,وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .
أما بعد:
ففي الدرس الأسبوعي في جامع آل شار بصبيا يوم السبت 5/8/ 1431هــ ، وعند درسنا في صحيح مسلم تعرضنا لحديث في كتاب الإيمان فيما بوب الإمام النووي :باب رؤية الله سبحانه وتعالى وإخراج عصاة المؤمنين من النار .
فأشكل على بعض الطلاب بعض ما جاء فيه , إن الله يخرج من النار ناسا لم يعملوا خيرا قط فذهب إلى أن الأعمال ليست من الإيمان وكيف يخرج هذا مع ما عرفنا سابقا أنه لا إيمان إلا باعتقاد وقول وعمل ولابد من اجتماعها وأن العمل لا ينفك عن الإيمان فهو جزء منه كالاعتقاد والقول ؟
فأحببت توضيح ذلك وبيان ما فتح الله في وقته :
قال الإمام مسلم : حدثني سويد بن سعيد قال حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن أناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم"نعم ......... الحديث . وفيه قال :ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما......... الحديث وفيه قال: "فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم خواتيم يعرفهم أهل الجنة ، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه.....الحديث"
قلت : هؤلاء ما ماتوا على الشرك أو الكفر ولكنهم ظلموا أنفسهم بعدم فعلهم الخير والمسابقة إليه فقد أدوا ما أمروا به وأسرفوا فيما نهوا عنه بارتكابهم إياه , فالذين يخلدون في النار هم الذين أشركوا وماتوا عليه فلا يغفر لهم قال تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء }الآية ,وهؤلاء هم الذين ماتوا على غير توبة قال تعالى { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } .
وقد جاءت النصوص أن الإيمان ينقص بارتكاب المعاصي والكبائر حتى لا يبقى منه شيء كما جاء عن بعض السلف , فقد جاء عن الحميدي شيخ البخاري قال سمعت سفيان بن عيينة يقول: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة يا أبا محمد لا تقولن يزيد وينقص , فغضب وقال اسكت يا صبي ، بلى حتى لا يبقى منه شيء"
قلت : يعني لا يذهب بالكلية ,لكن يبقى منه شيء أدنى أدنى أدنى حبة شعيرة كما جاءت النصوص بذلك أو أقل من ذلك والله أعلم. ذكره في أصول السنة له , ومن طريقه أخرجه الآجري في كتاب الشريعة في باب زيادة الإيمان ونقصانه.
فيبقى في قلوب هؤلاء أصل التوحيد الذي ماتوا عليه وهذا فضل التوحيد .
كما قال تعالى {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } فهؤلاء لم يرتكبوا شركا ولم يتركوا عملا يؤدي تركه إلى الكفر سوى أنهم ظلموا أنفسهم بارتكابهم الكبائر فشاء الله إدخالهم النار فيشفع الملائكة ويشفع النبيون ويشفع المؤمنون وتأتي شفاعة أرحم الراحمين فيخرجهم بما معهم من التوحيد وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى .
فلا يظن أحد أن هؤلاء ماتوا وما عملوا عملا مما يقيم لهم توحيدهم وإسلامهم فلابد من الإتيان بأركان الإسلام مما تركه هو كفر كما جاء في تارك الصلاة أنه كافر من حديث جابر بن عبد الله أخرجه مسلم , وحديث بريدة الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن .
وأخيرا هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى على عباده الموحدين حيث يدخل الجنة من لم يعمل خيرا قط، أتى بالإسلام وقاتل وقتل في سبيل الله , وأنشأ للجنة أقوام عندما دخل أهل الجنة الجنة وبقي فيها فضل فأدخلهم برحمته وفضله وكرمه سبحانه وتعالى .
فلابد عند الحكم لابد من جمع النصوص و التأليف بينها وعدم ضرب بعضها ببعض وإقامة البعض وترك الآخر .
ولقد كثر في هذه الأيام من يقول بأن العمل لايدخل في مسمى الإيمان ويستدل بمثل هذه النصوص المفردة وهذا خطأ بين كما عرفت ، فلابد من التأليف بين النصوص ، لأن نصوص الوحي لا يعارض بعضها بعضا ، لأنها محكمة من لدن حكيم خبير ، ثم إنه يجب علينا ألا نخوض في مثل هذا وإنما نؤمن بما جاء في نصوص الوحي ونكل علمها وتأويلها إلى أهل العلم ونشتغل بما ينفعنا , والله الهادي إلى سواء السبيل , ونسأل الله أن يفقهنا في ديننا و أن يهدنا صراطه المستقيم والله أعلم والموفق للصواب.
وكتبه
إبراهيم بن أحمد ظفراني
الأحد 6\8\1431ه